صالح زينو |
كتب : عماد الخطيب *
يتعب المحقق من ضربي ، يأخذ أنفاس
متقطعة ، لاهثاّ : "والله
لورجيك الله بالألوان يا ابن الكلب" .
نعم
لطالما عاش ابي ككلب في ظل حكومتكم , ووجودي هنا ليس إلا لرفضي صفة الكلب على ابنائي
في
المستقبل.
أحاول فتح عيني التي تملأها الدماء , لأرى صاحب
الوجه المحتقن ، يدايا مشنوقتان إلى السماء ، وكامل
جسمي
المخدر يقف على قدمي اليسرى ، ويتبادر إلى ذهني سؤال هل إذا ما بدلت رجلي اليسرى
باليمنى
سينتبه
؟ في حال نجاحي... سأعلن انتصاري .
لأكتشف لاحقا أنه في
الصراع الأبدي بين السجين والسجان، ان كل انتصارات السجين ستكون من هذا العيار .
" تيم الدمشقي "
هكذا كان صالح زينو عندما سافر يوما على دراجته
النارية إلى اللاذقية , متغلب على متاعب السفر ,
وصعوبته ولكنه فشل في
معركته مع السجان , والبقاء على قيد الحياة .
صالح زينو من
مواليد 1985 ,من بلدة كفربطنا في الريف الدمشقي ,كان يعمل حداد سيارات في بلدته ,من
عائلــة فقيــرة وهو ُمــعيل لأهله وأخوته الثلاث , عرف عنه الشجاعة والكـــرم
ونـــبل الاخلاق , سجن في
1يناير2011افرج عنه
12نوفمبر 2013
أختفى صالح بعد مروره
على احد الحواجز في بدأ الاحداث, وقبل أن يكون هناك كفاح مسلح ,أي عندما كان
يقال : "عصابات
ارهابية تطلق النار على المدنيين وعلى رجال الشرطة ".
صرح الاعلامي ( تيم
الدمشقي ) الناطق
باسم القيادة العسكرية لدمشق وريفها -
تنسيقية كفربطنا وهو
سجين سابق في فرع
(حرستا) للمخابرات الجوية لمدة ثلاث اشهر
, وكان مع صالح في السجن :
كان (صالح زينو) سجين المهجع رقم
4 حيث التقيت به هناك بفرع (حرستا) ,ولقد كان
شاب هادي جرئ ,
ومن الاحاديث الذي دار
بيننا عن كيفيه دخوله السجن ، حيث قال :" كانوا يريدون
القبض على احد ما ، فلم
يجدوه فأخذوني عوضا
عنه , ربما لأني أقود دراجة نارية , ولكن لايوجد لي أسم حتى في سجلات السجن ،
إذا انه عندما اعتقلوني نسي الملازم أول ويٌدعى حيان
تسجيل أسمي حتى أن جميع السجناء الذين دخلوا
معي السجن خرجوا إلا
أنا . "
ويصف تيم حالة صالح النفسية في السجن : "كثير ما كان ينتاب صالح نوبات غضب شديدة
مما يدفع
الحراس إلى ضربه بقسوة
وفي كثير من الاحيان كانوا يأخذونه إلى المنفردة لمدة أسبوع على الاقل . "
لا توجد هناك مواصفات دقيقة للفرع ولكن يصفه
تيم بأنه كالتالي :
يتألف
الفرع من مبنيين : الأول للإدارة والأخر سجن ومطبخ وغرف للتحقيق ، ويتألف بناء
السجن من ثلاث
طوابق
اثنان تحت الارض وهما عبارة عن :
الطابق الأخير: تحت الارض يتألف من ست مهاجع , مرقمة من الواحد حتى ستة ,الغرفة رقم واحد و
اربعة
تسمى
بغرف الماء , وهي غرف مليئه بالماء , وينقط سقفها ماء , والسجناء في هذه
الغرفة هم الأكثر
تعذيبا
بالفرع, وحالتهم الصحية سيئة للغاية ، كما يحتوي على باحة تطل على سماء, ويوجد
فيها أكثر من
ألف
سجين , وتحتوي الباحة على المرافق الصحية ، كما يحتوي الطابق الارضي على ممر يوجد
فيه ثمان
غرف , مساحة
الواحدة متر بمتر وتسمى "بالمنفردة" .
أما الطابق الاوسط تحت الارض يوجد فيه غرف
التحقيق والتعذيب ,أما الطابق الاول فوق
الارض يوجد فيه
المطبخ .
بينما
يتحدث تيم عن طـرق التحقيق والتـي تنتمي إلى العــصور الوسطــى, وانتهـــاكات جســـدية
ونفســـــية
للمعــتقلين ، وتبدأ بالفلقة (الفلكه ) وتنتهي بإعدام ميداني , كما حدث مع
احد المعتقلين يدعي أحمد
الكردي
من ركن الدين في دمشق ، وهو
أب لثلاث بنات ويعمل في تصليح السيارات , وذلك عندما بصق على وجه
المحقق ، لترمى جثته في مكان
ما ويقال عنه شهيد مجهول الهوية .
وعن الحالة الصحية للسجناء صرح
( تيم ):
معظم سجناء السجن حالتهم الصحية سئية جدا ، إذ
ان المهاجع لا يوجد فيها منافذ تهوية , مما يصيب
السجناء بحالة اختناق خصوصا
وقت الصيف , وقد يموت بعضهم جراء نوبات الربو ، والمرافق الصحية
مؤلفة من مرحاض فقط , ولا يوجد حمامات كما لا يوجد ادوات تنظيف , ولا
حتى صابون للحمام إذا احب
احدهم ان يستحم في المرحاض .
وكل يوم يأتي الطبيب مرة واحدة فقط , ليسأل إذا أحدهم مصاب ليكون العلاج الشافي
حبة" سيتيمول او
ديكلون " , أي حبوب
مسكنة للآلام , فيما عدا ذلك إذا اضطرت لنقر الباب في الليل سيتسبب ذلك بمعاقبة
جميع السجناء داخل المهجع , ومعاقبة
من طرق الباب اسبوع بالمنفردة .
أما الطعام فلا يختلف حال السجناء عن حال أهل
الغوطة الشرقية ابدا ،فالنظام السوري
معروف بكرمه
خصوصا لأسراه ، فالطعام عبارة
عن وجبتين : الوجبة الصباحية تتألف من ربع رغيف خبز وقليل من
الزيتون الغير مطبوخ -- أي انه مقطوف من الشجرة فقط - وفي أحسن الحالات
بطاطا مسلوقة , أما الوجبة
المسائية تكون عبارة عن برغل
منقوع بالماء , او رز مسلوق, وكل اسبوع هناك وجبة لحمة ومؤلفة من
دجاجة واحدة لكل عشر سجناء , وجميعها
خالية من الملح , أما عن السكر فيقول تيم : أن خلال المدة ثلاث
اشهر التي قضاها في
المعتقل لم يتذوق طعم السكر ابدا !
ويبقى فرع حرستا للمخابرات الجوية واحد من أذرع
النظام الاخطبوطية ، للسيطرة على سوريا واختصار
الجمهورية العربية السورية
بسوريا الاسد ، وما قصة صالح زينو إلا قصة من قصص السوريين، ومعاناتهم
من سادية نظام الدكتور الممانع
المتعلم فليست غريبة عن من قتل الطفل حمزة
الخطيب في بداية الثورة ،
بقتل صالح زينو اليوم .
دخل صالح السجن في 1يناير 2011
ليتم نقله إلى مستشفى حرستا القريبة نسبيا للفرع ، وليتم إعلان
الوفاة
والاتصال بمختار كفربـــطنا وبــأهل صالح ليتم تســـليم الجثة ، دخـــــل 85 كجـــم وخرج 30كـجــم فقط وتوفي في
12نوفمبر 2013 .